كتب آلان سركيس في نداء وطن:
يحتلّ ملف قانون الانتخاب حيّزًا مهمًّا في صدارة الاهتمامات. وبعد الصدام الذي حصل في مجلس النواب بين القوى السيادية والوسطية من جهة وبين “الثنائي الشيعي” من جهة أخرى، يُنتظر ما سيكون عليه الإخراج المرتقب لهذه المسألة.

تكتسب الانتخابات النيابية اللبنانية بالشكل أهميّة بالغة، ليس في الداخل المتحمّس فقط للمبارزة ومعارك كسر العضم، بل في أروقة الدول الكبرى، وذلك لأن لبنان يعتبر البلد الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط، والذي يتبدّل فيه الرئيس كلّ 6 سنوات، إذا استثنينا حالات الفراغ والأزمة، وتجرى فيه انتخابات نيابية.

كانت سنة 1972 آخر مرّة تجرى فيها الانتخابات النيابية في جمهورية الاستقلال، واندلعت الحرب في 13 نيسان 1975، فتأجّلت الانتخابات إلى عام 1992، وجرت تحت إشراف سوري وفق قانون المحافظة مع بعض الاستثناءات، وتكرّر المشهد نفسه عام 1996، حيث كانت اللوائح المعلّبة تفرز نتائج الانتخابات التي تأتي بأغلبية ساحقة لصالح النظام الأمني اللبناني- السوري.

قرّر النظام السوري تأديب الرئيس رفيق الحريري واخترع قانون غازي كنعان الذي قسّم بيروت وأذاب الصوت المسيحي في كلّ لبنان، وأتى تسونامي الحريري في بيروت وتسونامي النائب وليد جنبلاط في الجبل ليفسدا خطّة السوري في انتخابات 2000.

حصل زلزال اغتيال الحريري في 14 شباط 2005، وانسحب الجيش السوري وسقط النظام الأمنيّ، ودارت رحى انتخابات 2005 فأفرزت أكثرية لصالح قوى 14 آذار، لكن هذه الأكثرية أتت نتيجة معطى اغتيال الحريري وليس ضمن إطار انقلاب ديمقراطي داخل صناديق الاقتراع.

اجتاح “حزب اللّه” بيروت والجبل في 7 أيار 2008، ونتج عنه اتفاق “الدوحة” الذي أعاد قانون القضاء إلى الواجهة، وجرت انتخابات 2009، وأعادت قوى 14 آذار الفوز بالأكثرية لكنها لم تحكم لأن الموازين السياسية انقلبت لصالح “حزب اللّه”، فصالح جنبلاط النظام السوري وحصل الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري وسقطت بالثلث المعطّل الذي أقرّ في الدوحة. وبالتالي لم تؤثر نتائج الانتخابات على شكل الحكم بل موازين القوى.

انتخب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية في 31 تشرين الأول 2016، وخُلطت القوى والتحالفات، وجرت الانتخابات النيابية على أساس قانون النسبية للمرّة الأولى في تاريخ لبنان، لكن على الرغم من نيل عون و “الثنائي الشيعي” الأغلبية، ظلّ الرئيس الحريري رئيسًا للحكومة إلى أن أتت ثورة 17 تشرين وأطاحت بكلّ شيء.

ولعلّ أبرز مثال على أن الظرف السياسي هو الذي يرسم خريطة الحكم في لبنان هو مجلس 2022 الذي ظفرت به القوى السيادية والوسطية والتغييرية بالأكثرية، لكنها لم تتفق في ما بينها ولم تستطع الحكم، وبعد تبدّل الوضع السياسي في لبنان بعد نتائج حرب “الإسناد” بات “حزب اللّه” بلا حلفاء والكتل التي تدور في فلكه تصوّت إلى جانب القوى السيادية والمعارضة في رئاسة الجمهورية والحكومة والاستحقاقات المهمّة.

كلّ هذا السرد يدلّ على أن الواقع السياسي في لبنان لا يتبدّل في الأصوات التي تنزل في صندوق الاقتراع، بل نتيجة عوامل إقليمية ودولية، والمثال الأبرز هو امتلاك الرئيس كميل شمعون أكثرية ثلثي المجلس عام 1958، وعلى الرغم من هذا الرقم لم يُحرم من التمديد لنفسه فقط، بل لم يستطع انتخاب رئيس من صفه، وأدّت التسوية الأميركية- المصرية إلى انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيسًا للجمهورية وبات شمعون خصم الشهابية الأوّل.

من المهمّ احترام الأصول الدستورية والديمقراطية في بلد يتغنى بالحريّة وتداول السلطة، لكن من يراهن على الانتخابات لقلب الموازين واهمٌ، لأن الأساس ما يجري في أروقة الدول الإقليمية والدولية، بينما ما يحصل في الداخل تفصيل بسيط يستخدم في سوق المزايدات، لأن القرار اللبناني ما زال مرتهنًا للخارج والبلاد مشرّعة على كلّ أنواع التدخلات الخارجية.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version