بدأ الجيش السوري، في وقت متأخر من ليل الأربعاء – الخميس، تنفيذ المرحلة الأولى من انسحابه من مدينة السويداء، تنفيذاً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه مع وجهاء المحافظة، بعد أيام من المواجهات الدامية التي خلّفت قتلى وجرحى، ووضعت الجنوب السوري على شفير انفجار واسع.
وأكدت وزارة الدفاع السورية، في بيان رسمي، أن “قوات الجيش العربي السوري بدأت الانسحاب من مدينة السويداء، تطبيقاً لبنود الاتفاق المبرم، وبعد الانتهاء من تمشيط المدينة من المجموعات الخارجة عن القانون”. البيان لم يشر إلى مصير بقية التشكيلات الحكومية المنتشرة في محيط المدينة.
وفي السياق، أفاد مراسل قناتي “العربية” و”الحدث” بأن أرتالاً عسكرية تابعة للجيش السوري انسحبت تباعاً من داخل المدينة، وسط ترقب لتطورات المرحلة التالية من الاتفاق، الذي يشمل مراقبة تنفيذ البنود من قبل لجنة مشتركة تضم ممثلين عن الدولة السورية ووجهاء دروز.
الاتفاق الجديد، الذي أعلنت عنه وزارة الداخلية السورية مساء الأربعاء، يتضمن 14 بنداً، أبرزها: وقف فوري لكافة العمليات العسكرية، إطلاق سراح المحتجزين، ضبط الأمن، ومنع التجاوزات المسلحة، إضافة إلى تشكيل لجنة متابعة مشتركة بين الدولة وشيوخ العقل لضمان التطبيق الكامل لبنود التهدئة.
ورغم تبنّي شيخ العقل يوسف جربوع للاتفاق، معتبراً إياه فرصة لإنهاء الفوضى، فإن المرجع الديني الدرزي الأبرز، الشيخ حكمت الهجري، أعلن موقفاً مغايراً، داعياً إلى “الاستمرار في الدفاع المشروع ومواصلة القتال حتى تطهير المحافظة من القوى الخارجة عن إرادة المجتمع المحلي”. هذا التباين الديني والسياسي بين أبرز مرجعيتين درزيتين يلقي بظلاله على مستقبل الاتفاق وفعاليته.
ويُشار إلى أن الطائفة الدرزية في سوريا، والتي يُقدّر عدد أبنائها بنحو ٧٠٠ ألف شخص، تمركزت تاريخياً في السويداء ومحيطها، وكانت قد نأت بنفسها عن النزاع المسلح منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، محافظة على هامش استقلال محلي نسبي، بعيداً عن التحالفات المباشرة مع النظام أو المعارضة المسلحة.
بدأت الاشتباكات، الأحد الماضي، بين مسلحين دروز وآخرين من عشائر البدو في محافظة السويداء، على خلفيات ثأرية وأمنية، سرعان ما تحوّلت إلى صدامات واسعة استُخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف، ما دفع القوات الحكومية إلى التدخل يوم الإثنين لـ”فض الاشتباكات وحفظ الأمن”، بحسب بيان رسمي سابق لوزارة الداخلية.
وفي خضمّ التصعيد الداخلي، دخلت إسرائيل على خط المواجهة، ونفذت، الأربعاء، سلسلة غارات جوية على أهداف جنوب سوريا وفي محيط العاصمة دمشق، بزعم حماية الدروز السوريين من “الاضطهاد الحكومي”، في خطوة وصفها مراقبون بأنها جزء من مشروع أوسع لإعادة ترتيب النفوذ في الجنوب السوري، وسط تقارير عن مفاوضات غير معلنة بين دمشق وتل أبيب بوساطة أميركية.
ورغم إعلان وقف لإطلاق النار، الثلاثاء، استمرت الاشتباكات المتقطعة في اليوم التالي، ما أدى إلى تأجيل انسحاب الجيش حتى مساء الأربعاء. وتُعدّ هذه التطورات من أكثر الملفات الأمنية حساسية منذ تولي الرئيس السوري أحمد الشرع السلطة، نظراً لما تحمله من أبعاد طائفية وإقليمية.