كتب حبيب البستاني في نداء الوطن:
وفي اليوم الواحد والستين أي بعد مرور فترة الستين يوماً التي حددتها الولايات المتحدة لإتمام الاتفاق النووي الإيراني، قامت إسرائيل بشنّ هجوم مفاجئ على إيران، وكما هي العادة استفادت الدولة العبرية من عاملي السرعة والمفاجأة لتنفيذ أكبر هجوم لها استهدف قادة الجيش الإيراني والحرس الثوري وعدداً من المواقع الإيرانية الاستراتيجية المهمة. نجحت عملية اليوم الأوّل في تحقيق كامل أهدافها، وأصبح تاريخ الثالث عشر من حزيران يوماً مشهوداً والذي بين على مدى الخرق الاستخباري الإسرائيلي للداخل الإيراني وخاصة لمدينة طهران. وأعادت هذه العملية ما حدث في بيروت من عملية البايجر التي استهدفت كوادر حزب الله في يوم واحد والتي أدّت في ما بعد إلى اغتيال السيد حسن نصرالله. لقد اعتقدت إسرائيل أنها استطاعت تحقيق النصر المبين على الجمهورية الإيرانية الإسلامية، وراح الإسرائيليون يهللون للضربة ويثنون على آلتهم الحربية لا سيما على سلاح الجو والموساد.
بعد السكرة جاءت الفكرة
كانت الدولة العبرية مقتنعة أن عملية «الأسد الصادق» من شأنها شلّ إيران وبالتالي إرباكها لعدم الردّ وأن الإسرائيليين كانوا يتوقّعون ردّاً على شاكلة «الوعد الصادق 2» التي حدثت في تشرين الأوّل من العام 2024، بحيث تقوم إيران بإطلاق صواريخ كثيرة العدد ولكن عديمة الجدوى، فيتسنّى لإسرائيل اعتراضها هذا إذا تمكّنت من الوصول إلى أراضي الدولة العبرية. ولكن ما حدث بعد الضربة الإسرائيلية أذهل ليس فقط الشارع الإسرائيلي إنما أيضاً كل المتابعين في مختلف دول القرار، فجاءت عملية «الوعد الصادق 3» عملية كبيرة وخطيرة لا تمتّ بأية صلة إلى سابقتها. وفي ساعات معدودة تمكّنت إيران من ردّ الصاع صاعين إلى إسرائيل، وتمكّنت صواريخها الفرط صوتية والباليستية من اختراق القبة الحديدية وكل الدفاعات الصاروخية والوصول إلى قلب تل أبيب وإحداث الأضرار الجسيمة في قلب العاصمة التجارية والسياحية لإسرائيل، وباتت ضاحية تل أبيب الجنوبية مشابهة لضاحية بيروت الجنوبية من حيث الأضرار والمباني المهدّمة. وكان صادماً ما أدلى به رؤساء بلديات إسرائيلية من أنهم لم يشاهدوا هكذا أضرار في إسرائيل وذلك منذ نشوء دولة إسرائيل في العام 1948. وبغض النظر عن الأضرار فإن مجرد ضرب تل أبيب ورمزية هذه الضربة ونجاحها أعطى جرعة كبيرة من الأوكسجين ليس للإيرانيين فحسب إنما لكل الدول العربية، التي أعربت عن إدانتها اللهجمات الإسرائيلية غير المبررة على العاصمة الإيرانية. فالجميع مقتنع في كل الدول العربية أن تبرير إسرائيل للضربة هو منطق غير مقنع، وأن محاولة العدو الإسرائيلي تصوير إيران كونها خطر على الدول العربية هي عملية فاشلة. وهكذا وبكل بساطة جاءت الضربات الليلية الإيرانية لتبدّد أحلام الانتصار الإسرائيلية.
أهداف نتنياهو
لقد وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي أهدافاً عالية السقف لعملية «الأسد الصاعد»، وهو كما كان الحال بالنسبة للحرب على غزة حيث لم يستطع نتنياهو من تحقيق أي من الأهداف المعلنة، لا سيما تحرير الرهائن وتفكيك حماس، وكل ما استطاع القيام به جيش الاحتلال الإسرائيلي هو تدمير غزة وقتل أكثر من 160.000 فلسطيني من سكانها، عدا عن تهجير عشرات الآلاف. أما الأهداف فهي:
• قلب النظام الإيراني وإرساء نظام جديد على شاكلة النظام السوري.
• ضرب المفاعلات النووية الإيرانية وشلّ القدرات النووية لإيران.
• ضرب القوة الجوية والفضائية الإيرانية بحيث تصبح إيران ليس فقط خالية من السلاح النووي إنما أيضاً من سلاح الردع الصاروخي.
ولكن وبعد حوالي أربعة أيام من الحرب المدمرة بين البلدين تبيّن استحالة تحقيق أي من هذه الأهداف، فإسرائيل وبالرغم من تفوّقها الجوي فهي لا تستطيع تدمير القدرات النووية الإيرانية، أما بالنسبة للقوة الصاروخية فقد اظهرت إيران أنه لديها قدرات تدميرية هائلة في هذا المجال. أما بالنسبة لقلب النظام فإنه من المستحيل قلب نظام أية دولة إلّا إذا تم إلحاق خسارة عسكرية بالنظام كما حصل في سوريا، فكيف إذا كان النظام الإيراني يحقق الانتصارات.
أجندة الولايات المتحدة مختلفة عن نتنياهو
صحيح أن أميركا لن تسمح بإلحاق هزيمة شنعاء بالدولة العبرية وهي قد أرسلت حاملة طائرات أخرى إلى الشرق الأوسط وهي الحاملة نيميتز، وعلى ما يبدو فإن الدولة العبرية أصبحت بحالة حرجة، ولكن الولايات المتحدة ستسعى لحل دبلوماسي لألف سبب وسبب وأن الاتفاق النووي ما زال وارداً. وفي حال فشل الحل الدبلوماسي فإن الحرب الشاملة أصبحت وشيكة، وبالتالي فلا الولايات المتحدة ولا كل دول العالم على استعداد للدخول فيها. فالجميع يريد الدبلوماسية سبيلاً لحل الملف النووي الإيراني وليس الحرب.