في ظل تصاعد الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، تتوسّع دائرة الخشية من أن يمتد الصراع ليشمل مناطق أبعد من الشرق الأوسط، لتصل إلى قلب أميركا اللاتينية حيث يتواجد حزب الله، هذا النفوذ للحزب الذي طالما تم ربطه بمنطقة الشرق الأوسط، اليوم يحمل أبعادًا جديدة وخطيرة قد تُحوّل القارة اللاتينية إلى ساحة مواجهة غير مباشرة.
في هذا الإطار، يؤكد د. عبد العزيز طارقجي، الباحث في الانتهاكات الدولية لحقوق الإنسان والمتخصص في قضايا مكافحة الإرهاب، في حديث لـ”ليبانون ديبايت”، أن “هناك معلومات موثقة منذ سنوات عن تواجد حزب الله في أميركا اللاتينية، وهو أمر أكدته تقارير استخباراتية دولية وتصريحات حكومات المنطقة، بالإضافة إلى دراسات أمنية مستقلة، ومن أبرز هذه النقاط تصنيف وزارة الخارجية الأميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) لحزب الله كمنظمة إرهابية، مع الإشارة إلى شبكات دعم مالي ولوجستي له في دول مثل فنزويلا، باراغواي، البرازيل، والأرجنتين”.
ويشير طارقجي إلى أن “الادعاءات بشأن تواجد حزب الله في أميركا اللاتينية ليست مجرد شائعات إعلامية، بل تستند إلى بيانات رسمية، وتحقيقات قضائية، ووقائع أمنية مسجلة منذ أكثر من ثلاثة عقود، لكنها لا تعني بالضرورة أن للحزب وجودًا عسكريًا مباشرًا، بل هي شبكات دعم وتمويل غير نظامية تستغل ضعف الأنظمة الرقابية في بعض الدول. ويأتي تواجد الحزب في أميركا اللاتينية بشقين: الأول نشاط أمني لجهاز أمن حزب الله، والثاني نشاط لشبكة حزب الله التجارية، ولكل منهما مهمة واختصاص وفريق آلية عمل”.
وعن إمكانية توجه إيران لاستخدام أميركا اللاتينية كساحة رد على إسرائيل، يقول: “نعم، من المرجح أن تسعى إيران لاستخدام أميركا اللاتينية كساحة رد غير مباشر على إسرائيل، مستفيدة من وجود شبكات لحزب الله في المنطقة، وتحالفات مع أنظمة مناوئة للولايات المتحدة. هذا التوجه يندرج ضمن استراتيجية ‘الرد غير المتماثل’، حيث يمكن لطهران استهداف مصالح إسرائيلية أو يهودية دون الانخراط في مواجهة مباشرة، كما حصل في تفجيري بوينس آيرس في التسعينيات”.
وفيما يتعلق بإمكانية تفعيل الخلايا النائمة المرتبطة بإيران في لبنان وسوريا والعراق، يوضح طارقجي أن “المؤشرات الإقليمية الحالية تُظهر أننا قد نقترب من لحظة محتملة لتفعيل هذه الخلايا، خاصة مع تصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل إلى مستويات أعلى من المواجهة”. ويشرح الأسباب المحتملة للتفعيل قائلاً: “تعتمد إيران كثيرًا على استراتيجية “الرد عبر الوكلاء”، وفي حال تعذّر الرد المباشر المؤلم، قد تلجأ إلى تفعيل خلاياها في دول النفوذ التقليدي، فحزب الله في لبنان، وميليشيات مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق في العراق، أثبتت قدرتها على تنفيذ عمليات نوعية بأوامر إيرانية، أما سوريا، فتبقى ساحة مفتوحة للنفوذ الإيراني السري بعد سقوط ديكتاتورية عائلة الأسد، وتحتوي على خلايا لوجستية وعسكرية وأمنية تم بناؤها والعمل عليها لسنوات طويلة، وهي جاهزة للتحرك عند الحاجة”.
وعن مستقبل لبنان في حال إنخرط حزب الله في الحرب الإيرانية الإسرائيلية، يرى طارقجي أن “لبنان سيكون معرضًا لمخاطر بالغة على عدة مستويات:
-خطر الانهيار الشامل: لبنان يمر أصلًا بأزمة اقتصادية خانقة ومؤسساته هشّة، أي حرب جديدة ستؤدي إلى دمار في البنية التحتية، وتوقف عجلة الاقتصاد، وتفاقم أزمة النزوح الداخلي والهجرة.
-استهداف إسرائيلي واسع النطاق: إسرائيل أوضحت مرارًا أن ردها على حزب الله لن يكون محدودًا، بل سيشمل كل مؤسسات الدولة اللبنانية إذا اعتبرت أن الدولة تؤوي ميليشيا تشن حربًا إقليمية، وهذا يعني أن المدنيين سيدفعون الثمن الأكبر، كما حصل في حرب 2006 و2023، لكن على نطاق أوسع.
-تدهور الموقع السياسي والدولي للبنان: انخراط حزب الله في الحرب سيضعف ما تبقى من سيادة الدولة اللبنانية، ويزيد من عزلتها عربيًا ودوليًا، وقد تُفرض عقوبات أشد أو تُسحب مساعدات حيوية، خاصة من الدول الخليجية والجهات الدولية المانحة”.
ويشدّد طارقجي على أن “لحماية لبنان من الانجرار إلى الحرب بين إيران وإسرائيل، يجب على الدولة اللبنانية أن تُثبّت موقفًا وطنيًا واضحًا يقوم على النأي بالنفس، وتحكيم المصلحة اللبنانية العليا، والانتماء العربي التاريخي، فالتمسك بالعمق العربي يُعد درعًا سياسيًا واستراتيجيًا للبنان، ويجب أن يترافق مع رفض تحويله إلى ساحة صراع لخدمة أجندات إقليمية، فالعودة إلى الحاضنة العربية هي الضمان الحقيقي لوحدة لبنان وأمنه واستقراره”.